بدايات سفور المرأة في العالم الإسلامي (3) : العراق
سليمان بن صالح الخراشي
بداية سفور المرأة المسلمة في الجزائر والشام ، أن هذا الأمر لم يحدث إلا بعد سقوط بلادهم بيد الاحتلال النصراني الذي شجع هذا المنكر بمواطأة من المنافقين ومرضى القلوب للأسف.
الجزائر :
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/32.htmسوريا :
http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/42.htmوهذه الحلقة ستكون عن بلاد العراق التي تشهد هذه الأيام عودة الاحتلال النصراني البغيض لأراضيها . ولكن مما يطمئن المسلم أن كثيراً من أبناء المسلمين –ذكوراً وإناثاً- قد وعوا الدرس جيداً وعلموا مكر الأعداء وخبثهم ؛ ولهذا لن يُلدغوا – بإذن الله - مرة أخرى، ولن تنطلي عليهم دعاوى المحتل الزائفة من نشر الحريات أو تحقيق العدل أو غيرها من الأكاذيب التي لا زال يروج لها.فحق للمسلمين أن يقولوا له ما قاله المثل القديم: " كيف أصدقك وهذا أثر فأسك ؟ " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد كانت المرأة العراقية كغيرها من نساء العالم الإسلامي تلتزم الحجاب الشرعي الذي أمرها الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فتغطي وجهها عن الرجال الأجانب، واستمرت على هذا الحال الطيب إلى أن سقطت البلاد العراقية بيد المحتل الإنجليزي (عام 1917م في قصة يطول ذكرها) حيث أخذ أعداء الإسلام كعادتهم أينما حلوا يبعثون قضية السفور ويُشجعون دعاتها من المتمسلمين، و كذلك أتباع دينهم من أهل البلد المحتل ؛ لتيقنهم أنها الخطوة الأولى لإفساد أبناء المسلمين ، وإشغالهم عن مقاومتهم .
يقول الأستاذ عباس بغدادي في كتابه " بغداد في العشرينات " ( ص 143 ) واصفًا حال المرأة العراقية ذاك الحين :
( أما العبي النسائية، فكانت من النوع الحريري الأسود، وأحسنها ماركة صائم الدهر، وماركة الشبئون المستوردات من سوريا. أما الفتيات الصغيرات والعرائس فلباسهن عباءات (أم جتف)، أي أن كتف العباءة مدروزة بالكلبدون أو البَكر، أو أن العباءة كلها منسوجة مثل إيزارات اليهوديات والمسيحيات. وينتهي لبس هذه العباءات عند انتهاء حفلة زواج البنت ؛ ذلك أن ولادة الولد الأول يجعل العروس أماً ولا يليق بالأم أن تلبس مثل هذه العباءات، بل تحتفظ بها لبناتها حين يصبحن فتيات، والمرأة المحتشمة تلبس عباءتين : داخلية تُلبس على الكتف ، وخارجية على الرأس مع (البوشية) التي تغطي الوجه ولا تمنع الرؤية، وهي سوداء عدا بوشيات اليهوديات والمسيحيات، فهي مصنوعة من الحرير والكلبدون ، ويمكن رفعها إلى الأعلى وتسمى "بيجة" ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بدأت الدعوة إلى السفور في العراق بواسطة شاعرين زنديقين مُلحدَين هما : جميل الزهاوي ، ومعروف الرصافي .
أما أولهما فقد جاهر بإلحاده في ديوان شعر له لم يَسمح بنشره في حياته ، سماه " النزغات " ! وهو اسم على مسمى ! فكله شكوك وحيرة ، وإنكار للغيبيات ، بل إنكار لوجود الله !
وقد قال الزهاوي في رسائله عن هذا الديوان : ( وقصائد هذا الديوان لم تُنشر بعدُ في المجلات والجرائد ، وسوف تُنشر بعد موتي ؛ لأنها تُصادم آراء المتعصبين ) !
ولو صدق الملحد لقال : تصادم دين الله عز وجل . ولكنه كغيره ممن يريد أن يستر إلحاده وكفره بمثل هذه الأعذار .
ثم قام الأستاذ هلال ناجي بنشر هذه القصائد في كتابه " الزهاوي وديوانه المفقود " . ( ص 122ومابعدها ) .
والعجب في أحوال هذا الملحد أنه كان يدور مع مصالحه الدنيوية غير آبه بدين أو خُلق . فقد ألف كتابًا يرد فيه على دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله - ، تقربًا للدولة العثمانية ، كما اعترف بذلك فيما بعد ، سماه "
الفجر الصادق " رد عليه الشيخ ابن سحمان - رحمه الله - بكتاب " الضياء الشارق " .ثم لما احتل الإنجليز بلاده وانحسر نفوذ العثمانيين قلب ظهر المجنّ لهم ، وأخذ يذمهم ويمدح الإنجليز الكفار بقصائد مُخزية !! منها قوله :
تبصر أيها العربي واتـركْ *** ولاء الترك من قــوم لئـام
ووالِ الإنجليز رجال عدلٍ *** وصدق في الفعال وفي الكلام
أحبُ الإنجليز وأصطفيهم *** لمرضيّ الإخاء من الأنــام
جلوا في الملك ظلمة كل ظلم *** بعدل ضاء كالبدر التمـام
هذا الزهاوي كان أول من دعا لسفور المرأة العراقية في شعره ؛ ومن ذلك قوله :
أخر المسلمين عن أمم الأرض *** حجاب تشقى به المسلـمات
وقوله :
مزقي ياابنة العراق الحجابا *** واسفري فالحياة تبغي انقلابا
وكتب مقالة طويلة بعنوان "المرأة والدفاع عنها" عقد فيها فصلاً بعنوان "مضار الحجاب"! راح يعدد فيه ما يراه عقله القاصر من سخافات لعله يُقنع العراقيين بباطله ؛ كقوله مثلاً "إن الحجاب يسيء ظن الغربيين بنا؛ فإنهم يقولون لو كان المسلمون واثقين بعفة نسائهم لما ضغطوا عليهن هذا الضغط اللئيم؛ فأخفوهن عن عيون تطمع في النظر إلى وجوههن النضرة" !! ( انظر : " الزهاوي ، دراسات ونصوص ، لعبدالحميد الرشودي ، ص 112-117) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم جاء بعده قرينه وصاحبه معروف الرصافي الذي كان في بداية أمره متدينًا من طلاب العلامة محمود شكري الألوسي – رحمه الله - ! ، ثم نكص على عقبيه وانتكس إلى الضلال والإلحاد – والعياذ بالله - . ويشهد لهذا قصائده الفلسفية في ديوانه ؛ ومنها قصيدته السيئة " حقيقتي السلبية " التي يقول فيها :
ولستُ من الذين يرون خيرًا *** بإبقاء الحقيقة في الخــفاء
ولاممن يرى الأديان قامت *** بوحيٍ مُنـزل للأنبـيــاء
ولكـن هنّ وضـعٌ وابتداعٌ *** من العقلاء أرباب الدهاء !
........ الخ ضلاله ، كما في ديوانه ( 1/112-114) .
ومما يشهد لذلك : كتابه الذي طُبع حديثًا بعنوان " الحقيقة المحمدية " ، وكان قد منع أن يُطبع في حياته ؛ لما فيه من كفريات وتنقص بسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم . وقد حاول البعض أن يُشكك في نسبة هذا الكتاب له ، ولكن هيهات ! فقد اعترف بذلك هو بنفسه . ( ولهذه القضية مقال قادم إن شاء الله ) .
من أشعار الرصافي في الدعوة إلى سفور المرأة ؛ قصيدته " المرأة في الشرق " التي قالها زمن الاحتلال الإنجليزي ! ؛ ومنها قوله :
وقد ألزموهن الحجاب وأنكروا *** عليهن إلا خـرجة بغطـاء
وكذلك قصيدته الشهيرة " التربية والأمهات " التي مطلعها :
هي الأخلاق تنبت كالنبات *** إذا سُقيت بماء المكـرمات
ولكنه شانها بقوله :
وما ضر العفيفة كشفُ وجه *** بدا بين الأعـفاء الأبــاة
وقد عارض الأستاذ حسين الآزري قصيدته الأولى بقوله :
أكريمة الزوراء لا يذهب بك الـ *** نـهج المخالف بيئـة الزوراء
أو يخـدعنـك شاعرٌ بخيالــه *** إن الـخيال مطــية الشعراء
حصروا علاجك بالسفور وما دروا *** أن الـذي حصروه عـينُ الداء
أسفينـة الـوطن العزيز تـبصري *** بالـقعر لا يغررك سطح الـماء
وحديقة الثـمر الجـني ترصدي *** عبـث الـلصوص بليلة ليـلاء
لكن دعوة الزهاوي والرصافي باءت بالفشل ، وقابلها المسلمون بالإنكار ؛ إلى أن قام الإنجليز بدعم القضية .
وقد ذكر الأستاذ أنور الجندي في كتابه " الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية " ( ص 623) أن حركة السفور في العراق – بعد هذا - تأخرت (حتى عام 1921 عندما حمل الإنجليز لواءها على يد الإنجليزية "المس كلي" حيث أسست أول مدرسة للبنات 19/1/1920 احتفل بها العميد البريطاني) !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد عقد الأستاذ خيري العمري في كتابه " حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث " فصلا بعنوان " معركة السفور في العراق " تطرق فيه إلى تطور القضية بعد ذلك في الصحف ، ومادار حولها ، ثم ختم بقوله ( ص 140-141) :
(وقد يرد إلى الذهن سؤال وهو : من هي أول امرأة عراقية رفعت النقاب عن وجهها وخرجت سافرة ؟! والحقيقة أن الجواب عن ذلك ليس من البساطة بحيث يكفي أن نقول إن فلانة هي من أسفرت في عام كذا دون أن ندعم هذه الدعوى بما يقيم البينة عليها. لذلك فإني ألتمس من القارئ عذراً إذا قلت إنني لا أريد أن أتورط كما تورط غيري في حكم قاطع بهذه المسألة.
نعم ربما يمكن أن نقول إن بغداد لم تخلُ قبل عام 1932 من عراقيات رفعن النقاب عن وجوههن ؛ ولعل عقيلة (حكمت سليمان) من بينهن، ولكننا لا نملك أن نقول إنها أول من أسفرت من نساء العراق ؛ لاسيما وأن أكثر نساء الريف سافرات.
الأمر الثاني الذي أريد أن أذكره هو وجود قوتين كانتا تلعبان في تلك الأيام دورًا مهما في توجيه الأمور وهما : (البلاط) و(دار الاعتماد البريطاني).
وبالنسبة إلى البلاط لم يكن موقف الملك فيصل من قضية سفور المرأة واضحًا، فهو تارة يبدي ما يفهم أو يحمل على محمل التأييد والإسناد ، وطوراً آخر يتراجع عندما يجد الرأي العام ناقماً ساخطاً . والواقع أن الدعوة إلى سفور المرأة ذلك الوقت لم تجد تقبلاً في الأوساط الشعبية.
ولعل سر هذا التقدم والتراجع يرجع إلى عوامل شتى منها تأثره ببعض المقربين إليه ومدى إيمانهم بحرية المرأة، فالملك (علي) كان يدفع بالملك فيصل إلى الوقوف بوجه دعاة سفور المرأة ، و(رستم حيدر) و(ساطع الحصري) كانا يشجعانه ).
أما الدكتور عدنان الرشيد فيقول في مقاله "65 عاماً على سفور أول طالبة في بغداد" المنشور في مجلة الهلال، ربيع ثاني 1424هـ :
(تمر هذه الأيام ذكرى مرور 65 عاماً على سفور أول طالبة في كلية الحقوق في بغداد، وكان ذلك في عام 1934م عندما خلعت الطالبة "صبيحة الشيخ داود" العباءة، ودخلت الكلية، فانبهر الطلاب من هذا المشهد الذي لم يألفوه) .
ويقول – أيضًا - : ( لعلنا في هذا المقام نذكر دور الفتيات المسيحيات واليهوديات في إحياء حركة السفور في بغداد ) .
يقول الأستاذ خيري العمري في كتابه السابق كلامًا له دلالاته عند العقلاء ( ص 138-139) :
( إن مفهوم السفور خلال تلك الفترة يختلف عن المفهوم السائد للسفور في هذه الأيام؛ فقد تطور ذلك المفهوم تطوراً كبيراً. كان مفهوماً ضيقاً يُقصد به مجرد رفع النقاب عن الوجه. في حين أنه تجاوز اليوم هذه الدائرة الضيقة، فالمرأة في تلك الأيام كانت تُعتبر سافرة إذا رفعت النقاب عن وجهها. على أنها اليوم لا يكفي أن ترفع النقاب؛ فلابد لها أن ترفع العباءة أيضاً لتكون في عداد السافرات). فكشف الوجه هو الخطوة الأولى .. فافهم !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه قصة السفور في بلاد الرافدين - باختصار - ؛ قادها المحتل الإنجليزي مع زمرة من المنحلين ، وتابعهم فيها بعض الأغرار من الرجال والنساء ؛ ظانين - بجهلهم - أن هذا هو طريق التقدم والتحضر ؛ كما أوهمهم بذلك الإنجليز الخبثاء الذين زينوا لهم هذا الفساد ؛ إلى أن اكتشف الكثيرين والكثيرات من أبناء وبنات فيما بعد حقيقة هذه الدعوة الزائفة ؛ فأخذوا بالعودة إلى الالتزام بأحكام دينهم ، والاعتزاز بأخلاقهم ؛ بعدما تيقنوا أن ذلك لا يمنع من علم أو تقدم كما يدعي الأعداء .
وتشهد السنون الأخيرة عودة وأوبة إلى دين الله في بلاد العراق العزيز ، مع حرص على التمسك بعقيدة السلف الصالح ، كما نشاهد ونسمع - ولله الحمد والمنة .
والسعيدُ من وُعظ بغيره ..
والله اا
لهادي والموفق .
منقول
fatima.psy81@yahoo.fr