الانفتاح على الجماهير و الانتشار بين الناس ليس شعارا يرفع ولا خطبة سياسية تطلق ، ولا هي رغبة تحملها النوايا الحسنة ، أو مقال يكتب هنا و هناك وإنما هي مسار أساسه مجاهدة للنفس لقبول الأخر والصبر معه و القدرة على ترقيته وتأهيله للأدوار الحركية والدعوية ( الالتقاء و الانتقاء و الارتقاء ) .
والانفتاح ممارسة وعمل متواصل دون انقطاع لا يخضع للظرفية والمناسبة السياسية . فهو الرسالة التي تأسست من أجلها الحركة و نظمت هياكلها لخدمتها. و عملية الانفتاح تحتاج إلى متطلبات نذكر من بينها :
1 – وجود الجماعة المؤمنة بالانفتاح و المستعدة لتقديم الغالي و الرخيص من أجل صلاح المجتمع تحت قيادة راشدة تمثل القدوة في ذلك :
و لقد أسس الإمام البنا رحمة الله عليه لهذا المبدأ فقال : " إن تكوين الأمـم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمـة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور :
إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف و وفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع و لا بخل ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه و الانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره ,,,على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها . وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبني المبادئ وتتربى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الفتية وتتجرد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا ,,"
2 – التعرف على فئات المجتمع إزاء فكرتنا و اتجاه حركتنا :
فالناس في تعاملهم مع حركتنا و أفكارنا أربعة أقسام :
* مؤمن بفكرتنا و مقتنع بمسارنا و هم كثر في المجتمع ينتظرون من يجلي لهم بعض المواقف أو القرارات التي ألبست عليهم ، و تحتاج إلى شرح مبسط لفقه الموازنات و مبدأ الأولويات...
* المتردد الذي يقدم ويتراجع في الوقت نفسه نظير شبهات تحوم حول منهجنا و قيادتنا حاولت أطراف إلصاقها بصفنا القيادي ، أو مواقف غامضة اقتضتها ضرورة المرحلة ، و هؤلاء في حاجة إلى حركيتنا الإعلامية و توضيح مواقفنا و تجليتها لهم من خلال الحوار المتواصل على مختلف المستويات و بشتى السبل و الوسائل .
* النفعي و هو الذي ينظر للفكرة من زاوية المصلحة والمنفعة التي يسعى لتحقيقها من وراء حمل الفكرة ، و ذاك نحن في خدمته ما لم تتعارض مصلحته مع مصالح الآخرين أو تسبب ضررا للأفراد و المجتمع " فالله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه "
* المتحامل وهو من يحمل فكرة مناقضة لنا ويعمل على تقويض فكرتنا وتشويه حاملها بكل ما أمكن له ذلك بالقدح والطعن والتشكيك ، و ذلك بيننا و بينه ساحات الحوار والعمل الديمقراطي السلمي ، و المناقشة المسؤولة ، و مبدأنا في ذلك :التعاون فيما اتفقنا عليه و الحوار والنقاش فيما اختلفنا فيه .
3 – التخطيط لعملية الانفتاح :
فبعد تعرف الحركة على طبيعة البيئة الخارجية و تركيباتها الاجتماعية و السوسيولوجية و مداخل مختلف فئات المجتمع و شرائحه ، ثم التعرف على معالم البيئة الداخلية للحركة و المتمثلة أساسا في ذلك الزخم الكبير والمتنوع من الطاقات و القدرات ، مع معالجة لمكامن ضعف ولدتها سنين من الغفلة عن البناء و الالتهاء بالمواجهة السياسية و إغفال بناء الصف... بع ذلك كله يتوجب وضع خطة متأنية بعيدة عن الاستعجال في قطف ثمرة آنية تمليها استحقاقات مقبلة ، بل وجهتها في ذلك مسار استراتيجي قد يمتد لعشرية من الزمن تتطلع فيه الحركة إلى أن يلتف حولها أغلبية فئات الشعب ... و لن يتأتى ذلك إلا بتفكير عميق و تحديد للأهداف و الأولويات ، و تأهيل للأفراد و تدريبهم ، و تسطير البرامج التفصيلية... و دون ذلك خطب رنانة و أمنيات جميلة تكاد تكون أقرب إلى أحلام اليقظة